كانت مجتمعاتنا الشرقية وإلى عهد قريب تنظر إلى السمنة على أنها احدى علامات الجمال، وعلى أنها سمة من سمات الثراء، غير أنه ومنذ عدة عقود بدأت الاتهامات الطبية توجه صوبها، وسيطرت أحلام النحافة على العقول.
ولكن لم تكن المخاطر الصحية للسمنة هي السبب الرئيسي لهذا الولع بالنحافة وإنما كان الجري وراء الموضة ومحاولة تقليد عارضات الأزياء وأهل الفن. حيث أصبحت النحافة دليلا على الرشاقة والجمال وأصبح الكثير من الناس منشغلين إلى حد الهوس بمظهرهم.
لقد بدأت موضة النحافة منذ فترة الخمسينات عندما تألقت الممثلة أودري هيبورن بأدوارها على الشاشة ورسخت صورة المرأة النحيفة الضعيفة التي تمنح الرجل الإحساس بالقوة والرغبة في حمايتها. ثم حلت فترة الستينات لتضيف عارضات الأزياء بعداً جديداً إلى مفهوم الأناقة التي ارتبطت بقوام المرأة النحيفة.
هكذا تحركت مقاييس الجمال تجاه نحافة أكثر، وارتبطت هذه النحافة بتحول مهم في وضع المرأة في المجتمع من كونها أما تكتسب أهميتها ومكانتها من أمومتها ومن كونها زوجة تكتسب حب زوجها بصلاحها إلى كونها موضوعاً مثيراً باحثاً عن الإعجاب أكثر من بحثه عن سعادة الأبناء الصغار وسعادة الزوج المغيار!!
وارتبط تحرر المرأة من «قيود» الأسرة بتحكمها في جسدها، وارتبط هذا كله بالنحافة التي صارت عنواناً للتحرر، ولكن هل حقاً المرأة النحيفة أجمل؟ بعض الرجال يرون أن الوجه النحيف لا يمكن أن يبدو جميلاً حتى ولو كانت تقاطيعه متسقة، كما أن القوام النحيف ذا الزوايا الحادة لا يمكن أن يبدو جميلاً مهما بذلت صاحبته من جهود لإخفاء عيوبه.
إن أغلب الرجال يفضلون القوام المعتدل المتوازن بين النحافة والبدانة. وهكذا بلغت اختلالات التغذية تدعو للانزعاج، فالفتيات، والصبية، والمسنون أيضاً سقطوا جميعاً ضحايا الخوف من البدانة، وأصبح الكل منشغلا إلى حد الهوس بمظهره. هذا الانشغال بصورة الجسم ليس مشكلة غريبة فحسب، فالعولمة وسعت الاهتمام بالشكل إلى العالم أجمع، بل ان التحديث في المجتمع يمكن أن يقاس بمستوى اختلالات الطعام الجديدة التي يشهدها.
وانتشرت مع هذا السباق أمراض مصاحبة لأنماط غذائية غير متوازنة مثل (البوليميا) وهو المرض الذي كانت الأميرة (ديانا) مصابة به، وفيه يصاب الإنسان بالشره، فيأكل كميات كبيرة من الطعام ثم يتقيأ كل ما أكله، بسبب خوف دفين من السمنة!!.
وبحثاً عن هذا الجمال، توالت آلاف الوسائل لتحقيق هذا الهدف، لقد أصبح جسد العارضة أو ملكة الجمال هو عنوان الجمال، واستقر معه أن هذا الجسد هو الطريق إلى النجاح، وتنوعت السبل للحصول على هذا الجسد الرشيق، بدءا من أنظمة الغذاء إلى الرياضة، إلى الجراحة. فالرياضة أصبحت وسيلة لاكتساب الجسد الرشيق.
وانتشرت أنظمة التمارين، وكتب التدريبات والرقصات Acrobics التي تساعد على التخسيس. نحن ندعو إلى الرياضة من أجل الصحة، فإن لبدنك عليك حقاً، والعقل السليم في الجسم السليم، لكن الذي نرفضه هو أن يكون السعي نحو نموذج معين للجسد.
الشركات التجارية أيضاً دخلت في هذا السباق بكل ما أوتيت من قوة بحثاً عن الربح، ما بين طرح أطعمة لا تزيد وزن من يطعمها إلى طرح أنواع مختلفة من العقاقير تساعد في إنقاص وزن من يتناولها.
إن هذا الوضع يدعو للقلق ولابد أن نبدي الكثير من التحفظات حيال قضية تسويق النحافة وإزاء المخاطر الصحية والاجتماعية لهذا الهوس، المخاطر الصحية لا تخفى على أحد، فالأشخاص النحيفون جداً معرضون للإصابة بالأمراض أكثر من الذين يتمتعون بوزن معتدل، فقد ثبت أن جهاز المناعة لدى الأشخاص النحيفين جداً أضعف منه لدى سواهم.
وهذا يزيد من خطر إصابتهم بالأمراض، إضافة لضعف القدرات الفكرية وسرعة التعب. أدوية النحافة لها أضرار كثيرة وخطورتها تزداد إذا كان تناولها يتم دون استشارة وبدون إشراف طبي مستمر.
هذه العقاقير قد تؤدي إلى أضرار بالغة خاصة بوظائف الكبد والكلى وقد تؤدي إلى الفشل الكلوي وربما إلى ما هو أخطر من ذلك. الصورة القاتمة للنحافة تتجلى واضحة في أطفال إفريقيا، فهناك هياكل عظمية لا تعرض أحدث الأزياء، بل تعرض الجوع والمرض، وتعرض التقصير والتجاهل من جانب الدول الغنية. سؤال يطرح هنا حول عمليات شفط الدهون، هل هي وسيلة للحصول على النحافة وهل هي لأصحاب السمنة المفرطة؟
الحقيقة هي أن عمليات شفط الدهون تهدف لإصلاح القوام والتخلص من الشحوم التي فشلت الوسائل التقليدية في التخلص منها، وهي بالتالي غير مسؤولة عن مشكلة النحافة التي نحن بصددها، خطورة عمليات الشفط تكمن في إجرائها بواسطة أطباء غير مؤهلين للقيام بها، من أطباء أصحاب تخصصات أخرى غير جراحة التجميل، الأمر الذي أصبح شائعاً اليوم بحثاً عن تحقيق الربح.
الخطورة تكمن أيضاً في إجرائها للشخص غير المناسب وتكمن أيضاً في إجرائها في المكان غير المناسب والذي لا تتوافر فيه إجراءات السلامة كما يحدث في بعض العيادات. أيضاً هناك خطورة في حالة شفط كميات كبيرة في نفس الوقت. إذن ما هو الحل؟ يرى البعض أنه يمكن للفكرة التي تعتبر أن الجمال الأمثل للمرأة هو أن تكون نحيفة القوام أن تتغير، إذا قدم مصممو الأزياء صوراً لنساء من جميع الأشكال بدلاً من صور عارضات الأزياء اللاتي يشبهن الهياكل العظمية وصور الممثلات النحيفات.
إن الحل الذي نحتاجه كي نتحرر من وباء النحافة هو حملة يشارك فيها جميع الأطباء، بالإضافة إلى وسائل الإعلام، والهيئات المعنية. حملة تهدف إلى مساعدة النساء على تقبل الأشكال المختلفة لأجسادهن بدلاً من تقييمهن على أساس شكل أجسادهن، حملة تهدف إلى إنماء جسم صحي لا هو نحيف ولا هو بدين.
فهل هل ستتغير مفاهيم جمال المرأة إذا توقف الرجل عن التقليب في صفحات المجلات، ومحطات التلفزة الفضائية، ومواقع الإنترنت ؟!.
د. أحمد مكي استشاري جراحة التجميل مؤسسة حمد الطبية