المشهد داخل غرفة العمليات في مستشفى من المستشفيات: طفل صغير يصرخ بأعلى صوته، حوله رجال ونساء أغراب عنه، يرتدون ملابس زرقاء أو خضراء، يضعون أغطية فوق رؤوسهم وأقنعة فوق وجوههم. هؤلاء الأغراب يمسكون بأيدي وأرجل الطفل محاولين تثبيته فوق طاولة العمليات وهو يحاول جاهدا الخلاص،
بينما طبيب التخدير يضع كمامة سوداء على أنف وفم الطفل المرعوب، تنبعث منها غازات ذات رائحة نفاذة بغية تخديره، ويستمر هذا المشهد إلى أن يتم تخدير الطفل استعدادا لبدء العملية الجراحية. هذا الطفل قد يكون ابني أو ابنك. ذكر لي احد الأطفال الذين مروا بهذه التجربة« ان الغازات المستخدمة في التخدير رائحتها كريهة، والكمامات السوداء التي توضع فوق فم وانف الطفل مخيفة، والأطفال الصغار لا بد وان يبكوا ويقاوموا بشدة للفرار من هذا المكان المفزع».
التجربة القاسية التي قد يمر بها الطفل قبل العملية الجراحية وأثناء وجوده داخل غرفة العمليات من الممكن أن تترك اثرا سلبيا لديه يجعله يخاف ويكره المستشفى والأطباء والدواء، وهذا ما لا نريده لأي طفل.
دراسة حديثة أوضحت أن %75 من الأطفال الذين يبكون خوفا قبل بدء العملية مباشرة وأثناء إعطائهم جرعة التخدير رغما عنهم معرضون للكوابيس والأحلام المزعجة لأسابيع عدة بعد العملية، ليس هذا فقط وإنما أيضا تكون فترة النقاهة لديهم بعد العملية أطول من اقرانهم. نفس الدراسة ذكرت أن %65 من الأطفال يصابون بحالة من القلق والتوتر قبل إجراء الجراحة، خاصة الأطفال دون الرابعة.
معظم هذا التوتر والقلق يحدث عند اخذ الطفل من ابويه والتوجه به الى غرفة العمليات ذات الجو المفزع لهذا الطفل الآمن. دراسة أخرى أجريت على أطفال أجريت لهم عملية استئصال اللوزتين، أوضحت أن الأطفال الذين دخلوا الى غرفة العمليات وهم أكثر هدوءا احتاجوا إلى مسكنات آلام بعد العملية اقل من غيرهم وعادوا الى مدارسهم في وقت أسرع من الأطفال المنزعجين أثناء دخولهم غرفة العمليات.
هناك إجراءات عدة تلجأ إليها بعض المستشفيات لتخفيف حدة الفزع التي قد يتعرض لها الطفل قبل بدء العملية الجراحية. من هذه الإجراءات اعطاء الطفل دواء مهدئا بالفم يساعد على تهدئته وينسيه الموقف، لذلك حتى الأطفال الذين سوف يبكون أثناء إعطائهم جرعة التخدير لن يتذكروا هذا الموقف بعد إفاقتهم من العملية. هذا المهدئ عادة يعطى قبل بدء العملية بثلث ساعة تقريبا. هذا الدواء المهدئ ليس فقط مهما للطفل ولكنه أيضا يريح الأبوين اللذين قد يسبب لهما توتر الابن اشد الألم النفسي.
من هذه الإجراءات أيضا ما تقوم به بعض المستشفيات من السماح لأحد الوالدين بمرافقة ابنهما الى داخل غرفة العمليات لإزالة الرهبة والخوف لديه إلى أن يتم تخديره،وهكذا يظل الطفل في حضن أمه الدافئ الذي يمنحه الحنان والأمان إلى أن يتم تخديره بهدوء،عندها تخرج الأم إلى خارج غرفة العمليات إيذانا ببدء العملية الجراحية.
الأطفال الأكبر سنا يمكن شرح الإجراءات التي سوف تتم لهم وإعطاؤهم فكرة مسبقة لما سيرونه يوم العملية حيث أن هذا يساعد بدرجة كبيرة في تخفيف الخوف الذي قد ينتابهم، بل إن بعض المستشفيات ذهبت لما هو ابعد من ذلك حيث سمحت للأطفال بالقيام بزيارة مسبقة لغرفة العمليات مع تقديم شرح مبسط لهم عن سبب وجود التجهيزات المختلفة الموجودة داخل غرفة العمليات وسبب ارتداء العاملين في هذا المكان هذا النوع من الملابس وربما السماح لهم باللعب بقفازات الجراح وارتداء أغطية الرأس إلى غير ذلك. كل هذا من اجل إزالة الرهبة من نفوس الأطفال.
غرفة العمليات قد تبدو لبعض الناس – خاصة الأطفال- مكانا مرعبا بما تحويه من تجهيزات غير مألوفة مثل طاولة العمليات والأنوار الكبيرة المتدلية من السقف وأجهزة التخدير والآلات الجراحية المعقمة والأجهزة الأخرى الخاصة بكل تخصص من تخصصات الجراحة. غرفة العمليات أيضا مخيفة للطفل بسبب شكل الزي الذي يقتضي العمل في هذا المكان ارتداءه لضمان سلامة التعقيم. أكتب هذه الكلمات لإحساسي أن الطفل العربي أقل حظا من الطفل الغربي في كل شيء.